انهيار حائط دعم جسر “غلبون”.. فضيحة وهدر للمال العام!
شكاوى عديدة رفعها عدد من الناشطين البيئيين والمعارضين لمشروع محطة المياه على نهر غلبون – قضاء جبيل للمعنيين، والتي أجمعت على أن إنشاء المحطة والأشغال القائمة، ستؤثر على الطريق وتهدّد السلامة العامة مع بدء موسم الأمطار والسيول، إلا أن جميعها لم يجدِ نفعًا، إذ كما كان متوقعًا، فمع زيادة تدفق مياه النهر الموسمي تأثّر الحائط والطريق والإنشاءات، وكانت الكارثة حيث انهار حائط دعم الجسر الذي يربط غلبون بقرى عدة وصولاً إلى مزار “مار شربل” في عنايا.
أبي راشد: أسئلة مشروعة
وفي التفاصيل، رُفعت شكاوى عدة إلى سائر الجهات المعنية حول قيام “مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان” بردم مجرى النهر وبناء جدران دعم من الباطون المسلح دون رخص، ودون تراجعات عن مجرى النهر وملاصقته للجسر الرئيسي، ما تسبّب بانهيار الطريق العام.
الحركة البيئية اللبنانية نشرت نص الوثيقة (الصور المرفقة) وفيها قرار صادر عن قائمقام جبيل، ناتالي مرعي الخوري، يقضي بوقف الأعمال المخالفة للقانون التي تقوم بها المؤسسة، بعد الكشف الميداني الذي رصد الأعمال دون رخص قانونية من قبل التنظيم المدني.
في هذا السياق، قال رئيس الحركة بول أبي راشد لـ”أحوال”: “قانونيًا، لا يمكن لأي شخص أو مؤسسة عامة أو خاصة بناء أي منشأة على أي مجرى مائي دون ترخيص من التنظيم المدني وتقييم الأثر البيئي”، مشيرًا إلى أن أي مخالفة ولو كانت بسيطة، يجري توثيقها ووقفها.
من هنا، طرح أبي راشد مجموعة أسئلة “مشروعة”، وهي: لماذا لم توقف النيابة العامة البيئية في جبل لبنان الأعمال بعد الشكوى التي وجهتها الحركة بتاريخ 17/10/2020؟ ولماذا لم توقف القوى الأمنية الأعمال بعد قرار قائمقام جبيل ناتالي خوري بتاريخ 26/10/2020؟ ولماذا لم تتحرك وزارة الأشغال التي تبلغت شكوى بتاريخ 9/10/2020؟ ولماذا لم تتحرك وزارة البيئة التي وصلتها شكوى الحركة البيئية اللبنانية بتاريخ 2/11/2020؟
شلهوب: دراسة غير وافية
من جهته، قال الاختصاصي في الهندسة المدنية وإدارة المياه، د. ميشال شلهوب، لـ “أحوال”: “منذ شهرين ونحن نحذّر من أن الأعمال القائمة ستؤدي إلى زعزعة حائط الدعم، حيث وجهنا كتابا لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان استفسرنا فيه عن طبيعة الأعمال القائمة وتم تجاهله، كما قمنا بالمتابعة عبر ثلاثة إجتماعات معهم، وأبديت رأيي كمواطن ومهندس في هذا المجال، وطلبنا كمجموعة تعديلات على موقع المنشآت بهدف نقلها غربًا وضمن العقار وعلى بعد حوالي 100 مترًا، إذ أن التربة ثابتة لا رسوبية، كما قدمنا ملاحظات من الجانب الإنشائي والجيوتقني والهيدرولوجي، ولكن لم يتم العمل بها، وكان هناك إصرار على الموقع المذكور بحجّة تكلفة نقل الموقع، علمًا أنه لو تم أخذ ملاحظاتنا بعين الاعتبار لكانت التكلفة أقل بكثير”.
وتابع شلهوب: “في الشق الإنشائي والجيوتقني، هذه الإنشاءات وأوزانها الكبيرة ستؤثر على كل ما حولها من طريق وجسر، أما في الشق الهيدرولوجي، فحذرنا من تداعيات إقامة حاجز باطوني، الذي أدى إلى ما يسمى “ارتدادًا Reflux”، لكن الرد كان أن “العمل مستمر”، وعلى كفالتهم، وتم صب مئات الأطنان من الباطون المسلح من أجل 4 مضخات مياه”، مؤكدًا بالمقابل أن الدراسة غير وافية ولا متكاملة حسب الأصول، ولم تلحظ حائط الدعم ولا التعديلات التي اقتُرحت.
مياه بيروت وجبل لبنان
على الضفّة الموازية، قال مصدر من مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان لـ “أحوال”: “لم نقم بأي إنشاءات على مجرى النهر، والمشروع عبارة عن محطة ضخ على العقار 513 في منطقة غلبون العقارية والمتنازل عنه لدى كاتب العدل لمصلحة المؤسسة وفقا للأصول، وهذا الأمر لا يتطلب تطبيق دراسة تقييم الأثر البيئي”، لافتًا إلى أنه “لو كان العمل في مجرى النهر، كنا سنحتاج لهذه الدراسة، وقد اجتمعنا مع المعترضين مرارًا وشاهدوا الخرائط، وعلى الرغم من عدم الوضوح في ما يطلبونه، إلا أننا قمنا بالتعديلات المطلوبة من قبلهم وكما يريدون”.
أما عن موضوع الحائط، فأوضح المصدر أن الحائط دون أساس، ومن الطبيعي أن ينزلق بعد إقامة الأشغال، “لكننا أقمنا جدرانا من الإسمنت المسلح لحماية الطريق، وحاليًا وبعد انهيار الحائط، نقيم حائط دعم بعرض متر وطول 6 أمتار، والأعمال تقوم بها مؤسسة بيروت وجبل لبنان”، بحسب قوله، معتبرًا أنه هذا مشروع تنموي ولا يجب محاربته، ومؤكدًا بالمقابل وفي ما يتعلق بقرار قائمقامية جبيل والتنظيم المدني بوقف الأعمال، أنه لم يصلهم أي اعتراض من القائمقام، ولم يتم تسجيل أي قرار في الديوان.
وزارة الأشغال
بدوره، قال المدير الإقليمي لجبل لبنان ومدير عام وزارة الأشغال بالتكليف، طانيوس بولس، لـ”أحوال”: “تحملت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان المسؤولية وتكلفة إعادة حائط الدعم، علمًا أن الحائط مقام منذ 40 عامًا، وقد أرسلنا مهندسين وكشفوا ميدانيًا وتبيّن أن انهياره كان بسبب الحفر على مقربة من قاعدته”، لافتًا إلى أن المؤسسة باشرت بتدعيم الحائط على نفقتها الخاصة، وسيتم الإنتهاء منه خلال الأيام المقبلة.
من جهة أخرى، وحول المخاوف من إنهيار الحائط مرة أخرى، أكد بولس أن الأمر يتم الإشراف عليه من قبل مهندسين، والحائط الجديد مبني من الباطون المسلح، ويتم تدعيمه بصورة كافية، مشيرًا إلى أنه كان من المفترض الإبتعاد أكثر عن هذا الحائط الذي انهار بصورة جزئية، كون المنشأة بهدف المصلحة العامة.
قائدبيه: هدر للمال العام
في سياق متصل، رأى المحامي نائل قائدبيه في حديث لـ “أحوال”، أنه سواء كان تصحيح الخطأ من قبل وزارة الأشغال أو من قبل مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، فهو هدرٌ للمال العام وسيدفعه الشعب اللبناني، مؤكدًا بالمقابل أن الهدر يتحمله من لم يقم بواجبه بالتنسيق المسبق قبل تنفيذ الإنشاءات، وتحديدًا كل مسؤول في المؤسسات العامة المعنيّة، سواء في مصلحة المياه أو في وزارة الأشغال، معتبرًا أن الأهم في هذا المجال هو المساءلة حول انعدام حسن الإدارة والتنسيق بين الوزارات ومؤسسات الدولة.
من هنا، لفت قائدبيه إلى أن قيام مدير مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان بإعلان تحمّل المؤسسة للتكاليف وبإقراره بمسؤولية المؤسسة عن التقصير الحاصل، يشكّل مخرجاً قانونياً لمتابعة العمل، وهو بذلك يكون قد اختصر الوقت الذي كان سيوقف المشروع فيما لو ذهب الأمر بنزاع بين المؤسسة ووزارة الأشغال، متسائلًا: “ألم يكن من الأجدى تلافي الخطأ بدلًا من محاولة ترقيعه؟!”.
الجدير ذكره أنه تم، مساء الأربعاء الفائت، إيقاف الأعمال بناء على تقرير جديد صادر عن التنظيم المدني، أكد المخالفات الجارية، كما تم إبلاغ النيابة العامة في جبل لبنان وقمائمقامية جبيل وقوى الأمن الداخلي بالموضوع.
سوزان أبوسعيد ضو